الثلاثاء، 15 فبراير 2022

الجواهر المُهملة !

 هذه الموعظة في أمر يعلمه كل من فقد حبيبًا، أو عايش من فقد حبيبًا، وأساس الجهل بهذا الأمر هو عدم إدراك الجمال والعظمة وهي بين يديك، ولا تشعر بقيمتها حتى تفقدها..

فخصلة العظماء وأهل القلوب والعقول هي معرفة الجمال والقيم وهي حاضرة، وهذا شأن القرآن في تربية أهله، يعلمهم قيم الوجود التي يعيشونها ليروا أهميتها، فهو يذكرهم بالشمس والقمر، والخيل والإبل، والحياة والخيرات، والنبات والمياه، وهي أمور حاضرة، لكنها للألفة تغيب عن النفس قيمتها، ومن نظر فيها وتأملها علم جمالها، وأهميتها، وأدرك السر وراءها، فكان من أهل النظر والفكر والعقل والهداية، وإلا؛ فكل الناس يعرفون قيمة الأشياء بعد فقدها، فلا تمايز في هذا السبيل.

هناك جوهرة عظيمة بجانبك، اسمه (أخوك)، هذا الذي يجالسك في طلب العلم، ويرافقك في مهمات الطريق، ويكون حاضرًا حيث تكون الملمّات، فهل تدرك عظمته وهو حاضر معك، أم أنك غافل عنه وعن قيمته، وعن معنى الحب في الله، حتى إذا فقدته علمت من هو، وأي نور كان معك، وأي علق نفيس كنت تحويه؟

أخوك، هذا الألف الذي لا ترى أخوته، ولا تعرف قيمته، فهو الصديق الذي يصدقك، ويقسو عليك لتنقى، وينصح لك لتبصر، ويحنو عليك حنو الوالد على ولده، ويدعو لك في السر، ويخدمك وأنت في غفلة عن حاجات نفسك، هل كتب عليك أن لا تراه على هذا المعنى حتى تفقده، فتجلس نادبًا أنك لم تحسن إليه، ولم تعرف قيمته حتى فقدته؟

يا لعماء القلوب التي لا تدرك قيمة الجواهر التي بين يديها، والنفائس التي هي معها، حتى إذا فقدتها بكتها!

إن الأخوة في الله بنيان، فيه لبنات، ومعه جندي الزمن، يرعاه الذكي اللوذعي، ويبنيه صاحب القلب، يسير معه وهو ذرة صغيرة حتى يستوي بنيانًا عظيما هو عند الله من أعظم أركان الإيمان، وهو يوم القيامة ظلة تحميك، ومجلس نور تغبط عليه.

هذه الأخوة تبدأ باقتناص عنصر الحب، بأن يكون لك قلب يعرف قيمة الجواهر، ويعرف أهمية صحبة الأخيار، ويدين أنه محتاج لحبيب، وهي خصلة لا يفهمها صاحب القلب الغليظ، والنفس الخبيثة، ولكن من كان له قلب يشم القيم، ويلاحظ المعاني، فهو باحث عمن يشاكله، لأن أساس الحب يقوم على المشاكلة، فالخبيث يأنس بمثله والحنون يأنس بمثله، والصادق كذلك، والصالح يأنس بالصالح، فعن المرء لا تسل وسل عن خليله كما قالوا.

فأول الأمر قلب واعي، ثم عين مبصرة تلتقط البذرة الحية التي تصلح لمحل الحياة والنماء، ثم صبر في البناء والرعاية، مع سقي من هدايا ودعاء، ومع ذلك كله إغضاء وتغابي، حتى يستوي مجلسك يوم القيامة على منابر النور مع من تحب.

تذكر أن أول الطريق أن تعرف قيمة النفيس وهو بين يديك.

منقول بتصرف يسير